بداية تعريف الحديث الموضوع، الوضع في اللُّغة: حطّ الشَّيء ووضعه، وسُمِّي بذلك؛ لانحطاط رُتبته. وفي الاصطلاح: هو الحديث المكذوب، والمختلق، والمصنوع، مع نسبته إلى النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام.[١] ويُشير إليه المحدِّثين بالتَّصريح، كقولهم: موضوع، باطل، كذب، أو قولهم عنه: لا أصل له، أو ليس له أصل، أو لا يصحُّ، ولا يثبُت.[٢] وهذا النَّوع من الحديث؛ مكذوبٌ ومصنوعٌ ومُفترى على النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام، عمداً.
طبعا الحديث الموضوع مردود والحديث الذي لا أصل له مردود. كلاهما لا يُنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن هناك الفرق بين الحديث الموضوع والحديث الذي لا أصل له. الحديث الموضوع له سند وفي إسناده الرجل كذاب متهم متعمد بالكذب. أن الرجل في الإسناد وضاع كذاب وهو تفرد بهذا الحديث.
أما الحديث الذي لا أصل له، بمنتهى البساطة لا سند له أو لا إسناد له. من العبارات التي استعملها الأئمة الحفاظ في الحكم على بعض الأحاديث قولهم: (حديث لا أصل له) ومرادهم بهذه العبارة:
١) أي أنه ليس له إسناد يُنقل به أو يعرف به.[٣]
مثال ذلك قولهم: (الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهائم الحشيش).
قال الشيخ الألباني في الضعيفة [٤]: لا أصل له أورده الغزالي في الإحياء، فقال: مخرجه الحافظ العراقي: لم أقف له على أصل، وقال عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي في طبقات الشافعية [٥] : لم أجد له إسناداً.
٢) أي له إسناد لكن الإسناد لا يصح وهذا مستفاد من الواقع فيما ينفيه الحفّاظ من الحديث وفي التراجم ما يفيد هذا المعنى كثيراً. [٦] ليس له سند صحيح، وإن كان له أسانيد ضعيفة، لكن لا تتقوى. [٧] ليس له إسناد مقبول، بل يُروى بأسانيد ضعيفة أو منكرة أو مرسلة، ونحوها مما يدل على عدم ثبوت الحديث عندهم
مثال ذلك حديث: (البطنة أصل الداء، والحمية أصل الدواء…) إلخ، قال الشيخ الألباني في الضعيفة [٨] : لا أصل له، وقد أورده الغزالي في الأحياء مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أجد له أصلاً، وأقره الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة [٩]، وقال ابن القيم في زاد المعاد [١٠]: وأمّا الحديث الدائر على السنة كثير من الناس: (الحمية [١١] رأس الدواء والمعدة بيت الداء…) إلخ فهذا الحديث إنَّما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قاله غير واحد من أئمة الحديث… إلخ
نقل ذلك الشيخ الألباني عن الشيخ ملا علي القاري. [١٢]
مثال ذلك حديث أبي رافع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا طنت أُذن أحدكم فليذكرني وليصلي علي) قال السخاوي في المقاصد [١٣] رواه الطبراني وابن السني في عمل اليوم والليلة والخرائطي وآخرون عن أبي رافع مرفوعاً وسنده ضعيف، بل قال العقيلي: إنه ليس له أصل. قوله (ليس له أصل) أي ليس له سند ثابت.
مثال ذلك حديث أنس مرفوعاً (اطلبوا العلم ولو بالصين) قال السخاوي في المقاصد الحسنة [١٤] رواه البيهقي في الشعب وغيره من حديث أبي عاتكة طريف بن سلمان ومن حديث عبيد بن محمد عن ابن عيينة عن الزهري كلاهما عن أنس مرفوعاً به، وهو ضعيف من الوجهين، بل قال ابن حبان: إنه باطل لا أصل له. قوله (باطل لا أصل له) أي ليس له سند ثابت.
٣) أي الحديث لا وجود له في كتب السنة المعتبرة.
مثال ذلك حديث (أُمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر) اشتهر بين الأصوليين والفقهاء ولا وجود له في كتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة، وجزم العراقي بأنه لا أصل له. [١٥]
الحديث الموضوع هو الحديث المكذوب، والمختلق، والمصنوع، مع نسبته إلى النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام. [١٦] ويُشير إليه المحدِّثين بالتَّصريح، كقولهم: موضوع، باطل، كذب. أما الحديث الذي لا أصل له، ذكر الشيخ أحمد معبد عبد الكريم أن الحديث غير الحديث الموضوع: فالموضوع له سند عرفنا من خلال أن الحديث موضوع، أما الذي لا أصل له فلا نجد له سندا لا مرفوع ولا غير مرفوع. أن الحديث لا أصل له مرسل بدون إسناد وبدون مصدر من كتب الأحاديث أو في كتب التراث أو في كتب الأحاديث الصحيحة أو في كتب الأحاديث الموضوعة.
قال عبد الفتاح أبو غدة في مقدمته على كتاب المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، لعلي القاري [١٧]: قولهم في الحديث لا أصل له، له إطلاقات متعددة أوجزها فبما يلي:
أ- تارة يقولون: هذا الحديث لا أصل له، أو لا أصل له بهذا اللفظ، أو ليس له أصل أو لم يوجد له أصل أو لم يوجد أو نحو هذه الألفاظ، يريدون بذلك أن الحديث المذكور ليس له إسناد ُيُنقَل به. قال الحافظ السيوطي في تدريب الراوي [١٨] قولهم: هذا الحديث ليس له أصل أو لا أصل له، قال ابن تيمية: معناه ليس له إسناد.
ب- وتارة يقولون في الحديث المسند: هذا الحديث لا أصل له، يعنون به أنه موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على الصحابي أو التابعي الذي أُسنِدَ قوله إليه، وذلك بأن يكون للحديث سند مذكور، ولكن في سنده كذاب، أو وضاع، أو دلالة صريحة، أو قرينة ناطقة بكذب المنقول به، فقولهم فيه حينئذ: لا أصل له، يعنون به كذب الحديث، لا نفي وجود إسناد له.
ت- وحينا يقولون: هذا الحديث لا أصل له في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ولا الضعيفة، يعنون بذلك أن معناه ومضمونه غريب عن نصوص الشريعة كل الغرابة، ليس فيها ما يشهد لمعناه في الجملة.
ج- وتارة يقولون هذا الحديث لا أصل له في الكتاب ولا في السنة الصحيحة، يعنون أن معناه وما يتضمنه لفظه لم يرد في القرآن ولا في الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنفي منهم في هذا متوجه إلى نفي ثبوت مضمون الحديث في نصوص الشريعة الثابتة لا الضعيفة.
[١] محمود النعيمي، تيسير مصطلح الحديث (الطبعة العاشرة)، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة ١١١.
[٢] عبد الله الشقاري، الآثار السيئة للوضع في الحديث، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة ١١٦.
[٣] انظر كتاب تدريب الراوي للسيوطي (١/٢٩٢) قال ابن تيمية: معناه ليس له إسناد، ومنه ما استقراه السبكي في طبقات الشافعية الكبرى فإنه لمّا ترجم للغزالي وذكر كتابه إحياء علوم الدّين، سرد الأحاديث التي لم يجد لها أصلاً وهي نحو ألف حديث
[٤] كتاب الضعيفة للشيخ ألباني (١/١٨ رقم ٤)
[٥] في طبقات الشافعية للسبكي (١/١٤٥-١٤٧)
[٦] قول العقيلي في عليّ لن قتيبة: يحدث عن الثقات بالبواطيل وبما لا أصل له
[٧] ليراجع في الموضوعات لابن الجوزي والضعيفة للشيخ الألباني
[٨] ا كتاب الضعيفة للشيخ ألباني (رقم ٢٥٢١)
[٩] المقاصد الحسنة للسخاوي (١/١٠٣٥)
[١٠] زاد المعاد لابن القيم (٣/٩٧)
[١١] الحمية: اتّخاذ نظم معين في الغذاء أوقاتاً، وأنواعاً ومقادير، كما هو مبسوط في كتب الطب النبوي
[١٢] كتاب الضعيفة للشيخ ألباني (١/١٣٩ رقم ١٠٤) وانظر مثالاً على ذلك في نفس المصدر (برقم ٧٨)
[١٣] المقاصد للسخاوي (ح٧٠)
[١٤] المقاصد الحسنة للسخاوي (ح ١٢٥)
[١٥] قال السخاوي في المقاصد الحسنة (ح ١٧٨)
[١٦] محمود النعيمي، تيسير مصطلح الحديث (الطبعة العاشرة)، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة ١١١.
[١٧] كتاب المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، لعلي القاري ص ١٧ وما بعدها
[١٨] في أواخر النوع الثاني والعشرين ص ١٩٥، ١/٢٩٧ طبعة دار إحياء السنة النبوية
HADITH